مشروع الثالثة والعشرون - (19) مكاني الآمن

مكاني الآمن

المكان الآمن ليس مجرد مكان، بل روحٌ تسكن في شخصٍ ما... تعرفه.

دعني أسألك أولًا: هل لديك مساحتك الآمنة، التي تجعلك تشعر وكأنّه لن يصيبك أي مكروه، وأنك حرّ تمامًا في أن تكون نفسك، دون أي نقد أو خوف؟ أنت في سلامٍ طالما أنك مع شخصك وفي مكانك الآمن. لكن، ماذا لو انقلبت مساحة السلام إلى أرض حرب؟

نقابل العديد من البشر في الحياة، لكن قليلين فقط هم الذين نستطيع قضاء الوقت معهم باستمتاعٍ وراحة. وشخصٌ واحدٌ فقط هو من نشعر بأننا نستطيع اللجوء إليه في أي وقت، نشاركه كل ما يدور في أذهاننا كما هو، دون خوف، ونحن على يقين بأننا سنجد عنده ما نريد. أو ربما مجرد وجوده سيمنحنا الراحة، سيجعلنا نشعر بالسكون. كنت أعتقد أن المحظوظين هم من يجدون هذا الشخص، لكنني أدركت بعد ذلك أن المحظوظين بحق هم من يجدون مسكنهم الآمن ويستمر في كونه مسكنهم الآمن... أما من يجدونه ثم يفقدونه، فهم الملعونون!

نعم، أنا من هؤلاء الملعونين. أولئك الذين أصابهم الحظ، ثم خانهم، وأدار ظهره لهم ليأخذهم في الاتجاه المعاكس، ليقتلعهم من أماكنهم، وكأنهم يسبحون عكس التيار، يعافرون... لكن بلا جدوى. كما تبدأ الأشياء من حيث لا تدري، تنتهي أيضًا من حيث لا تدري، تاركة خلفها بعض الألم والتساؤلات التي لا تنتهي. لكن أهم سؤال، والأكثر إلحاحًا: ماذا حدث؟

أذكر ليلةً ما، في بداية فصل الشتاء، الفصل الذي أمقته كثيرًا، والذي أحببته كثيرًا لأجلك فيما بعد. حين سألتني: "ماذا أعني لكِ؟" فصمتُّ قليلًا لأبحث عن إجابة دقيقة، ثم قلت: "مكان جميل.
فكان ردّك: "أحب أن أكون المكان الجميل."
صمتُّ مرة أخرى، بينما رددت في داخلي: "ربما في أحد الأيام..."

وجاء اليوم... اليوم الذي كنتَ فيه المكان الوحيد الجميل، المسكن الآمن الذي تطمئن له روحي، والوجود الذي لا أهاب معه شيئًا، حتى وإن سقطت الجدران من حولنا. آمنتُ بك، وهذا ما غيّر كل شيء.

لم أكن أؤمن بالحب، لكنني آمنتُ بك أنت... فآمنتُ بالحب. ولكن تحدث الأشياء، ولأن التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة، تغيّرنا... وتغيّر الأمر. تحوّلت أرض السلام إلى أرض حرب، مليئة بالبراهين والأدلة والحجج. والحب يكره المنطق، والعقل يأبى التخلي عن كبريائه، فانتهى الأمر بالتراجع والانسحاب مرة تلو الأخرى... إلى أن حدثت المواجهة، وهُدم المسكن الآمن بأيدي الأحبّة، وكأن الحب لم يكن... وكأن الحب كان، بكل ما تركه من خراب.

لماذا أكتب كل هذا الآن؟
اليوم كان طويلًا بعض الشيء، وكان مليئًا بالبشر، لكنني رغم كل هذا الوقت، ورغم كل هؤلاء، لا زلتُ أفكر فيك. حتى كل هذه الأصوات لم تمنعني من سماع صوتك وأنت تقول: "إنتِ لعبتي إيه؟"

تركتُ هذا الكم من البشر، وخرجتُ إلى الحديقة الجانبية حتى لا يجدني أحد. جلستُ على العشب كما كنا نحب أن نفعل، وبدأتُ أشعر بوحشةٍ أكبر. لماذا لستَ هنا؟ لماذا لا يمكنني أن أتحدث معك عبر الهاتف؟ أو أن أرسل لك رسالة عبثية بلا أي هدف؟ لماذا أنت مجرد ذكرى؟ وكيف سأذهب إلى البيت الآن وأنت لست هناك؟

كنتُ أتمنى، بعد يومٍ طويلٍ كهذا في العمل، أن أجدك في المنزل، وأول ما أفعله هو أن أجعلك تضمّني لدقيقة، ربما اثنتين... أو ثلاث. نأكل شيئًا خفيفًا، ثم أحمل كوبين من الشاي، وتحمل أنت رقعة الشطرنج. نجلس في شرفة المنزل الواسعة، التي اخترنا هذا البيت من أجلها، وبالداخل صوت مسلسل في الخلفية. نبدأ اللعب، وفي منتصف الجولة، بعد أن استغرقتُ وقتًا أطول من المعتاد، تذهب بعيدًا بعقلك، بينما أحرّك قطعة جديدة، ثم أقول لك: "أنا خلّصت."
فتردّ: "إنتِ لعبتي إيه؟"

اللعنة! كيف سأذهب الآن إلى البيت وأنا محاصَرة بكل هذا الحنين... وبصوتك... وأنت...؟

2:22 AM
30/4

Comments

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية