مشروع الثالثة والعشرون - (20) حين رأيتك

 

حين رأيتك

حين رأيتك تلامس أكتافها وتحتضن يدها بكل حب... أدركت أني لستُ وطنك.

لم أفهم الحب منذ طفولتي. لم أولد في بيتٍ أساسه الحب، ولم يكن لي أصدقاء في طفولتي، لكنني قرأت عنه كثيرًا. علاقتي به لم تتعدَّ الأوراق التي قرأتها والمشاهد التي رأيتها.
أما قلبي، فلا أعتقد أنه قد أحب. وما هو الحب من الأساس؟
حقًا لا أعرف. ما هو الحب؟ كيف تعلم أنك تحب؟ أجبني، حتى لو أني لن أسمع إجابتك... لكن كيف؟ كيف تعرف أنك تحب؟ كيف تجزم بحبك؟ كيف تستطيع أن تقول بصوتٍ عالٍ: "نعم، أنا أحبك!"

عشتُ سنواتٍ طويلة أقدم نصائح لأصدقائي العاشقين، أخبرهم كيف يتعاملون مع من يحبونهم. كنت الحكيمة بينهم، ومع ذلك لم أدرك معنى الحب. فقط أفهمه نظريًا، أما عن ذلك الشعور الذي يلامس القلب، فلا أعرفه... لكني أعتقد أني فهمته حين قابلتك.

لم أفهم ما الذي يجذبني إليك، ما الذي يجعلني أراك وحدك، وكأن لا أحد سواك في المكان، مهما كان عدد الحاضرين. صوتك الهادئ يجعلني أطمئن، وكأن كل شيء سيكون على ما يرام.
أنت وحدك واثقٌ من نفسك، ووسط الجميع لا تهتز. شيء ما يجذبني لك، يجعلني ألتفت إليك، أنظر لك من وقتٍ لآخر. بإختصارأحب أن أراك.
أحب حين نتحدث وحين نصمت، أحبك حين تضحك وحين تدمع، أحبك حين تشرح ما يدور داخلك، وأحبك حتى عندما لا تفهم ما يدور حولك!

كم مرةً كتبتُ "أحب" عنك إلى الآن؟ هل هذا حب؟ ربما. لا أنا واثقة.
أعتقد أني أستطيع أن أصرخ بذلك.
الحب أن تكون واثقًا من مشاعرك. أعتقد أني الآن أستطيع تعريفه بذلك. أما في المستقبل، فلا أعلم كيف سأعرّفه!

لأكتب ما أشاء، ولأفعل ما أشاء، لكن في النهاية، قلبك لم يحبني.
اختبرتُ الحب من طرفٍ واحد، وعشتُ القصة وحدي. ومع ذلك، لم أستطع أن أكرهك، أو أن أتوقف عن الكتابة عنك. لم أستطع أن أنساك، رغم كل شيء، ورغم السنين، منذ أن أعلنتَ أنك راحلٌ عن البلاد، لأنك لم تعد تحتمل الفوضى، ولأنه لم يعد هناك ما يبقيك هنا.
علمتُ حينها أنك لا تراني، أنك لا ترى فيّ سوى الصديقة... بل حتى صديقة غير مقرّبة. احترمتُ رغبتك، احترمتُ رحيلك.

لم أستطع أن أمنع نفسي من توديعك في المطار. كنت أعلم أنك ستكون وحيدًا في ذلك اليوم، وكنت أعلم أني لن أحتاج إلى تفسير موقفي لأي شخص.
لم تتعجب من وجودي. بل حين رأيتني، اعترفتَ أنك كنت في انتظاري.
صمتَ لبعض الوقت، ثم اعتذرتَ وأنت تنظر أمامك. نظرتُ إليك متسائلة: "على ماذا؟"
أجبتَ: "أني لم أستطع أن أحبك مثلما أحببتِني. آسف لأن قلبي لم يساعدني، وأعتذر لقلبك الذي أحب بصدق ولم يجد مقابلًا."

دمعةٌ ساخنة انزلقت على وجنتي اليسرى. لم أتحرك من مكاني، لم أنطق بحرف. توترتَ، وهممتَ بالرحيل، ثم مددتَ يدك لتصافحني. لم أستطع أن أبادلك السلام، فاعتذرتَ مرةً أخرى... ورحلتَ بعيدًا جدًا.
لم أرفع عيني حتى أراك للمرة الأخيرة. ربما لأن اعترافك بكل شيء جرحني، حتى وإن كان ما فعلته هو الصواب.

لم ينطفئ حبك في قلبي، بل جعلني أخوض أكثر من علاقة فاشلة. حتى سافرتُ إلى بلدٍ غير بلادي، إلى أرضٍ غير التي تسكنها، فالتقينا كغرباء، في وطنٍ ليس لنا.
لكنني لم ألقَك وحدك، التقيتُك مع حبيبتك. وحين رأيتك تلامس أكتافها، وتمسك يدها بحب، بينما تخرجان من المطعم، دون أن تراني، شعرت بنارٍ تحرق قلبي، وكأن لقاؤنا الأخير كان بالأمس.

ولكن... منذ ذلك اليوم، شُفيتُ من حبك.
لأنني أدركت أنني لستُ وطنك، وأنني لم أستطع أن أحرك قلبك أو أجعله ينبض لي. وهذا ليس ذنبك... ولا ذنبي.

أنا الآن حرة من حبك، حرة من قلبك.
دمتَ بخيرٍ وسلام، ودمتَ في الوطن الذي اخترته.
لم أعد أحبك. شكرًا... لأنك جعلتني أدرك معنى الحب!

Comments

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية