مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

 الغير مناسب في الوقت المناسب

لا أعترف بالوقت المناسب في أي شيء، إلا في العلاقات.


أعتقد أننا جميعًا سمعنا عبارة "الوقت المناسب" مئة مرة على الأقل في حياتنا؛ الوقت المناسب لكي تبدأ، تغادر، تصيب أو حتى تخسر.
دائمًا يقولون إن هناك وقتًا مناسبًا لكل شيء، لكنني لا أؤمن بفكرة الوقت المناسب. وأعتقد أنني لست وحدي، بل جيلي بأكمله، إذ يمكننا أن نبدأ مشروعًا بصناعة حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. فكل شيء يمكن أن يكون الآن وبأقل مجهود. كل ما تحتاجه هو أن تكون مستعدًا. كذلك أعتقد أن الاستعداد هو السمة الوحيدة التي تحتاجها حتى يكون الوقت مناسبًا، أما غير ذلك فهو إضاعة للوقت أو كسل، أو كلاهما معًا!

الوقت المناسب خدعة صنعها الكسالى الطموحون، وعُززت الفكرة جيلًا بعد جيل.
الشيء الوحيد الذي لا أشعر فيه بهذه البدعة هو العلاقات.
هل سمعت يومًا عن أولئك الذين يقابلون حب حياتهم في أوقات غير مناسبة، مثل الحرب؟ وعن الذين لا يتناسبون نهائيًا مع بعضهم البعض، لكن كلًا منهم كان بحاجة إلى الآخر، فأصبحوا معًا؟

الوقت المناسب في العلاقات حقيقة مرعبة لا يمكن التغافل عنها. وإن أغفلتها لبعض الوقت، ستدركها حتمًا. وكلما أدركتها مبكرًا، استطعت أن تزن الأمور بعقلك أكثر، ولديك حينها الفرصة لمعرفة ما إذا كان الشخص مناسبًا لك حقًا أم أن التوقيت هو العامل الوحيد.

صادفت حبيبًا في توقيت غير مناسب فتركنا، وصادفت صديقًا ظننت أنه حبيب لأن الوقت كان مناسبًا، فانتهى الأمر بعدم صلاحيتهما. وكان هذا محزنًا.

كان ذلك الفتى الذي قابلته عقب وفاة أمه، التي كان مرتبطًا بها جدًا، في إحدى الحفلات التي اصطحبه إليها صديقه غصبًا ليترك حزنه. جلسنا معًا في دائرة أكثر هدوءًا بالخارج، متحدثين عن الحب والعلاقات، ولسبب ما جذب الحديث الجميع، بمن فيهم الفتى الحزين وأنا. تلاقت أعيننا وسألني: "هل أحببتِ من قبل؟".
في تلك اللحظة، شعرت وكأن عيناه تخترقان روحي. لم أنزعج، ولم أغضب على عكس العادة عندما أشعر أن أحدهم يعرف ما يدور داخلي. بل أردته أن يقترب ويعرف أكثر.

كانت وجهات نظرنا تختلف؛ هو يؤمن بالحب بشدة بينما ادعيت أنني لا أؤمن به على الإطلاق. فجاء سؤاله صريحًا وجريئًا، مقتحمًا كياني كله. نظرت في عينيه لوقت ليس بقليل قبل أن أجيب: "لا.. لم أحب من قبل."
وأنا أنطقها كنت أعلم أنني كاذبة، تمامًا كما كان هو يعلم هذا، وكأنه يعرفني قبل هذا الوقت. منذ أن اقتحمت عيناه روحي، أدركت أنه سيكون شخصًا مميزًا في حياتي. بدأنا نتحدث من وقت لآخر، إلى أن أعلن زواجه على فتاة. حينها لم أحزن، لم أغضب، فقط تعجبت. لم أفهم. باركت له وظننت أن هذه هي المرة الأخيرة التي سنتحدث فيها معًا. لكن على العكس، بدأت محادثاتنا تزيد، وأصبحنا روتينًا في حياة بعضنا البعض، مثل الماء والطعام.

اعتبرت أننا أصدقاء مقربون، وتجاهلت أي مشاعر أخرى. وأدركت أن علاقة صحية واحدة يمكن أن تشفيك.
لكن حبي كان سيفسد هذا، بل كنت سأؤذي أحدهم. فقررت أن أبتعد. وانتهى كل شيء ظاهريًا، لكن في باطني وقلبي، لا زلت أحبه. ومع ذلك، طبيعتي الصارمة أجبرتني على إنكار الحب حتى تلاشى...

بعد ذلك بعامين، كنت بحاجة شديدة لعلاقة في حياتي. فتسكعت مع الكثيرين بحثًا عن الونس والاستمتاع بالوقت. لكن سئمت هذا الونس المزيف، فتراجعت. ثم التقيت "أنيس" (هكذا أحب أن أسميه في خيالي). جمعت بيننا الأنشطة والهوايات المشتركة، الوقت الكثير، والرغبة العارمة في التسكع ليلًا في شوارع القاهرة الفارغة، والتحدث بعمق وحرية حول مواضيع شائكة يصعب التحدث فيها مع أي شخص آخر. رويدًا رويدًا، بدأنا نشعر أننا مناسبون لبعضنا البعض، وبدأنا نتقرب أكثر فأكثر. لكننا اكتشفنا لاحقًا أننا نختلف اختلافًا يجعل من المستحيل أن نكمل.

لكننا عاندنا، وعافرنا، وخفنا فقدان الونس، فاستمررنا. لكننا أصبحنا نخاف أكثر أن نستمر ونبدأ بالتغيير فقط بسبب الخوف من خسارتنا لبعضنا. وهكذا، كل المميزات التي كنا بحاجة إليها تلاشت. فصرنا نتباعد أكثر فأكثر، حتى واجهنا خوفنا وافترقنا.
عندها اكتشفت أن ما كان يجمعنا هو التوقيت المناسب وبعض الأشياء الأخرى التي تلاشت بانتهاء الوقت المناسب.

وكان هذا كل شيء؛ صادفت حبيبًا في توقيت غير مناسب فتركنا، وصادفت صديقًا ظننت أنه حبيب لأن الوقت كان مناسبًا، فانتهى الأمر بعدم صلاحيتهما. كان هذا محزنًا، لكنه الحزن الذي نتعلم أن نعيش معه لنصبح أنضج وأكثر استيعابًا لآلام الحياة.

والآن دعني أسألك: هل أنت مع شخص يناسبك حقًا، أم أنه التوقيت المناسب فقط؟

Comments

  1. الكثير من الأشخاص المناسبين (او احب ان اعتقد ان معظمهم كذلك) في كل التوقيتات الغير مناسبة والشعلة تنطفأ سريعاً

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية