مشروع الثالثة والعشرون - (8) الرجل الأسود


الرجل الأسود

هل التقيت يومًا شخصًا شعرت أنه أنت في الجنس المعاكس لك؟



هل حدث وأن قابلت شخصًا من جنسك المعاكس وشعرت وكأنك تعرفه منذ زمن طويل أو كأنكما الشخص ذاته؟ يُحكى في بلاد الإغريق القديمة وطبقًا للأساطير، أن الإنسان بدأ يتمرد على الآلهة، ولم يدرِ ما الذي تقدمه له الآلهة، فلماذا لا يكون هو الإله؟

وصل هذا الحديث للآلهة الكبار وعلى رأسهم زيوس، كبيرهم، فبدأ يفكر كيف يجعل الإنسان خاضعًا له دون أن يحاول أن يأخذ مكان الآلهة في ذلك الوقت أو بعدها. فتوصَّل إلى الحل الشرير، الذي يجعله دائمًا متمكنًا من الإنسان، الإنسان الذي كان وقتها برأسان وجسمين ملتصقين، يحمل الجنسين داخله؛ فكان حل زيوس أن يُقسم الإنسان إلى اثنين ويجعل كل طرف منه في مكان مختلف عن الآخر، فتكون قضية الإنسان الأولى أن يبحث عن نصفه الآخر، عن ذاته التي تاهت منه، ويترك الألوهية لأصحابها، أما هو فيظل معذَّبًا عمره ليجد رفيق روحه.

هكذا كان الإنسان كاملًا وتم تشتيته حتى لا يكون إلهًا، فكانت المعاناة جزءًا من حياته اليومية، والألم كان نتيجة تطلعه إلى الألوهية.

الرجل الأسود، أو هكذا أحب أن أسميه، وهذا لا يعود إلى لون بشرته مطلقًا ولكن لهيبته، لأناقة كل ما يفعل، ما يقول، ما يرى وما يسمع كاللون الأسود تمامًا، ذاك الشخص البعيد عن أرضي وذلك الروح القريبة مني، نفعل الأشياء ذاتها، نتحدث بالعبارات ذاتها، والموسيقى نستمع إلى الذوق ذاته، ودعني أكتب أننا نحن الاثنان نكتب ونتعامل مع هذا الشيء على أنه فعل مقدس لا يمكن العيش دونه.. ونحن الاثنان نبحث عن شيء لا نعرفه.. من الممكن أن يكون كل هذا صدفة وليس له أي أساس من المنطق ولا يجب اتباعه، ولكن نحب أحيانًا أن نخرج من المنطق ونتبع الأساطير في سبيل حياة أكثر متعة.

لكن ماذا تعني الصدفة؟ لماذا نلتقي؟ أليس اللقاء يعني أن هناك سببًا، حتى لو كان وهمًا مؤقتًا! يحتاج الإنسان للوهم كي يستطيع أن يعيش في بعض الأحيان ويدفع يومًا آخر للحياة. أعلم أنك تراني الآن أنجذب لكل علامات الجنان حيث أني أتبع الأساطير والوهم، هل جُذبت لكل ما هو غير حقيقي؟

ولكن يا صديقي ربما كان هذا تحديدًا ما يريده الآلهة، أن تنجذب وتسعى دائمًا لتجد نصفك الآخر.

منذ عامين التقيت بالرجل الأسود في أحد المعارض بحي الزمالك، بزيه الأسود وشعره المربوط خلفه، ونظارته الكبيرة بينما يشرح لفتى وفتاة كيف استخدم الألوان بهذه الطريقة التي تعطيك إحساس الوهم! كلمات لا أفهمها في الواقع ولكن أسلوبه كان مميزًا جدًا، لوحته كانت تختلف عن اللوحات حولها، تمامًا مثله. كنت أراقب من بعيد ولكن فجأة نظر إلي وكأنه شعر بأن هناك من يراقب، وجهت نظري بعيدًا وأكملت جولتي، حين وجدته فجأة أمامي في الدور الثاني من المعرض والذي كان شبه خاليًا لأنه لم يكن به الكثير من اللوحات، فشعرت وكأنني محاصرة خاصة أن ممر الدور الثاني كان ضيقًا فيجبرك أن تواجه من يمر أمامك، وقف أمامي وبدأ ينظر لي، فتوقفت عن المشي.

تحدث وقال:

  • شوفتك.. = شغلك لطيف
  • بس انتي مشوفتيهوش من قريب؟ = كنت هعدي عليه وأنا نازلة، مبحبش اللوح وهي بتتشرح، بحب أشوفها زي ما أحسها
  • أنا كمان بس مينفعش مجوبش بردو أو مش لازم واللهي

ضحكت = احنا اتقابلنا قبل كده أو نعرف بعض؟

  • مش عارف بس حاسس إننا خبطنا في بعض قبل كده؟

ساد الصمت لوقت.. فقلت: = طب إيه؟

  • تحبي تيجي تشوفي اللوحة من قريب؟ = أحب

وهممنا بالنزول معًا في شعور بالألفة غريب تجاه غريب! وهل هو غريب؟

كنت أتعجب من هؤلاء الذين يتزوجون من آخرين لم يعرفوا بعضهم إلا من قليل، ولكن شعوري بالألفة تجاهه جعلني أفهم بماذا شعروا حين اتخذوا هذا القرار.

لا أعرف كيف انتهى الأمر بنا ونحن نجلس في أحد مقاهي الزمالك في الثالثة فجرًا بينما نحتسي القهوة بعد أن تكلمنا عن كل شيء في الحياة، وبالمناسبة ظهر لنا أننا أصدقاء عبر تطبيق الإنستجرام، نتكلم من حين لآخر، وبدأ لنا كم نحن متشابهين.. السؤال هنا ماذا بعد؟ ماذا لو كان هو توأم روحي؟ هل يجب أن نكون معًا أم هذه فكرة فاشلة ومن تطابقوا لهذا الحد سينتهي بهم الوضع إلى الملل المفرط، ولكن ماذا عن الشعور أنك تنتمي لهذه الروح وأنك أنت كما أنت دون الحاجة لتوضيح أي شيء، فهذا الشخص يفهمك تمامًا كما لو كان هو أنت وأنت هو.. ذلك الشعور بالكمال مع إنسان آخر بمثابة الجنة على الأرض.

صوت الإشعارات، رسالة من الرجل الأسود: هل سمعتِ من قبل عن أسطورة توأم الروح؟

Comments

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية