مشروع الثالثة والعشرون - (11) هروب إضطراري
هروب اضطراري
تشكل المجتمعات علينا ضغطًا كبيرًا فنهرب منها.. وإليها!
الهجرة، ذلك الحل السحري الذي نسمع عنه منذ نعومة أظافرنا والذي لم نفهمه.
لماذا يريد الكبار أن يتركوا الأصدقاء، الأهل، الشوارع التي يحفظونها، الوجوه التي
يعرفونها، والذكريات والأرض التي تعلموا فيها كيف يحلموا؟ كيف لهم أن يتركوا كل
ذلك ويبتعدوا؟
حين كنت صغيرة، كنت أجد أن السفر متعة ولا زلت، أما عن الهجرة ففيها قسوة
كبيرة تجاه الأرض والوطن. وما الوطن؟ طبقًا للطفولة، هو الأرض التي تولد عليها
وأحيانًا الأرض التي وُلد عليها أبوك. وأيًا ما كان التعريف، كيف تترك الأرض هكذا
التي حملت فيها أحلامك وآمالك، أصدقائك وذكرياتك، أهلك وكل ما اعتدته؟
كنت في الحقيقة أتعجب كثيرًا خاصة إذا هاجر الشخص لخمس أو عشر سنوات من دون
النزول إلى أرضه حتى يحصل على الجنسية، لهذه الدرجة هناك من لا يشتاق إلى أرضه أو
من يتخلى؟ حتى علمت بأحدهم أنه تخلى عن جنسيته بشكل عام فهو لم يعد يهتم لشأن أرضه
على الإطلاق.. كيف.. لا أعلم.
تمر السنين، وأتم ربع قرن في هذا البلد، وطني.. مصر والتي تدهورت فيها
الأوضاع كثيرًا، والمستقبل لا يبشر بالخير على الإطلاق، فأصبحت أتساءل أنا والكثير
من أبناء جيلي، هل علينا الرحيل لننقذ ما تبقى لنا من عمر أم فقط أن نكون هنا
جميعًا معًا ونظل نندب الحظ سويًا؟ يخاف الإنسان أن يكون وحيدًا، هذا الخوف يمنعه
من تحقيق الكثير في عمله، علاقاته، والرحيل. أريد أن أعتذر لنسختي الصغيرة أني
خذلتها وأريد الرحيل أنا الأخرى، أريد أن أترك الوطن ولكن الآن لدي مفهوم مختلف
للوطن، الوطن أصبح بالنسبة لي المكان الذي يعطي مواطنه، المكان الذي يشعره بالأمان
والقدرة على الابتكار، الإنتاج والراحة. لم أعد أشعر بهذه الأشياء هنا وهذا حزين،
لأني أحب أرضي كثيرًا، أحب الشمس، البحر، مصر الجديدة وشوارع المعادي والزمالك
صباحًا أو ليلًا في وسط البلد.
أصدقائي والسهر معهم، الغرباء الذين ألتقي بهم صدفة في المقهى ذاته في حي الزمالك، حين تشعر أنك لست وحيدًا حين تفقد طريقك في منطقة لا تعلمها جيدًا. الذكريات، أشعر لو رحلت سأنساها وسأنسى أحلامي كذلك. سأنسى الآلام وهذا شيء لطيف ولكن أخاف، وأخاف كثيرًا، أخاف أن أفقد ذاتي في رحلتي إلى حيث لا أدري، أخاف أكثر من ألا أجد أي شيء في بلاد لا أعرف إلا اسمها. ولكني ربما أضيع عمري كله لو بقيت مكاني وربما أضيع لو رحلت. الهروب مغامرة ربما تربح فيها أو تخسر مثل مقامرة لا تعلم نهاية اختيارك، ولكن في النهاية عليك أن تختار ولتتحمل نتيجة ما اخترت. دعني أشاركك أني لم أختَر بعد، ولكني أريد بلادًا فيها شمسًا على الأقل حتى لا أشعر بالوحدة، فالشمس هي ونيسي الدائم في هذا العالم. ماذا عنك أنت هل قررت أي شيء؟
Comments
Post a Comment