مشروع الثالثة والعشرون - (7) الحب


 الحب...

أعتقد أننا لم نتعلم معنى الحب إلا في صورة واحدة، وربما تعلمنا المعنى مشوهًا...

ما الذي جال بخاطرك عندما قرأت كلمة الحب؟ دعني أجيب، وإن أخطأت عندك، فربما أصيب عند آخرين غيرك. "الحب للحبيبين، للقصص التي تنشأ بين اثنين يريدان أن يكملوا ما تبقى من عمرهم معًا." الحقيقة التي لم نتعلمها هي أن الحب هو الكثير، حتى في أشكاله ووجوب حدوثه لازم في هذا العالم بأي شكل كان ومع أي شخص، أو كائن حي! الحب الحق هو الذي نعطي ونأخذ فيه، نعطي بصدر رحب، نأخذ بامتنان وراحة. فالحب واجب إنساني قبل كل شيء ودافع لاستمرارية الحياة بعد كل ما نراه في أيامنا. نحن بحاجة إلى الحب لنكمل الطريق وإن ادعينا غير ذلك. الحب يحدث بين الأم وأبنائها، بين التلميذ ومعلمه، بين الزملاء والأصدقاء. الحب يمكن أن يأتيك من كلب يمر بجانبك في طريقك للعمل كل يوم. الحب مثل العمل؛ فالعمل يملأ كيانك والحب يملأ روحك. تصادف كتابتي لهذه الكلمات عيد الحب الروماني، الذي كسر فيه القديس فالنتين قواعد حاكمه وأتاح الزواج للجنود. فالقديس كان يعلم جيدًا أن الحب وحده هو الذي سيجعل الجنود يكملون حروبًا ربما ليسوا على قناعة تامة بدخولها. رغم عدم إيماني بالحب بين الرجل والمرأة لزمن طويل، إلا أني كنت أؤمن دوما أن الله أرسله لي من الأصدقاء، كما أؤمن بوجوده بشكل عام وأشمل يسع جميع الكائنات وحتى الأشياء. قرأت ذات يوم أن علاقة صحية واحدة يمكن أن تشفيك من آلام الماضي وتجعلك تحيا بسلام. في إحدى فترات حياتي، وقبل دخولي فترة اكتئابي الأعظم، أو هكذا أسميها، وأنا في التاسعة عشرة من عمري، تعرفت إلى فتى في حفل ما عن طريق أحد الأصدقاء. لنتجاذب أطراف الحديث، وتخترق نظراته روحي وكأنه يعلم حجم الدمار داخلي. كنت أعلم منذ ذلك اليوم أنها لن تكون المرة الأخيرة التي أراه فيها، وقد كان بالفعل. صرنا أصدقاء مع الوقت، نتحدث باستمرار. كنت وقتها قد بدأت رحلة علاجي النفسي، أعتقد بأنها كانت رحلة علاج كيميائي ورحلة انتقاء أخلاء، وكان فيها هو الخليل الأول لطريقي الجديد. مع الوقت أصبحنا نتحدث بشكل شبه يومي وكنت قد بدأت رحلة سحب الأدوية من جسدي. في أول الأمر لم أشعر بشيء، فالدواء لازال يوجد في مكان ما في جسدي، دمي، وربما عقلي! رويدًا رويدًا بدأت الكيمياء تتلاشى وبدأ عقلي يعود إلى سجيته ويتأرجح قليلًا، فكان هو المرشد خاصة بعد اختفاء طبيبي النفسي. كان يسألني باستمرار عن مزاجي، كيف أشعر، ما هي وجهة نظري في هذا وذاك، وعن ما أشعر به من جديد. صرت أتعرف على مشاعري يوميًا بفضل وجوده وسؤاله الذي لم يكل عن طرحه أبدًا عني، على الرغم من عدم معرفته بحالتي الصحية بدقة أو عن عدم قدرتي معظم الأوقات على معرفة مشاعري وحدي. كان حقًا يهتم لأمري. حينما ذهبت في أول وآخر رحلة معه وحدنا تعرفت أكثر على شخصيتي بمساعدته، وصلت إلى الطفلة داخلي وفهمت أسبابًا كثيرة من سلوكياتي اليوم، عرفت أني أبالي لعائلتي أكثر مما كنت أظن، عرفت من أنا، ما الذي أريده، عرفت أكثر عن الحياة. داخل رحلتنا قمنا برحلة صغيرة، رحلة عبثية من نوعها بلا أي تخطيط. في هذه الرحلة اكتشفت أن أكثر ما يهون على المرء الرحلة الشاقة هو وجود شخص آخر يطمئن بوجوده، وإن كان تمامًا مثله يجهل الوجهة. لكن وجود من يساندك، يحتوي خوفك، يشاركك لذة الوصول، تتشاركان الصمت، الحديث، الدخان والقهوة، الألم والمتعة. هذه الرحلة جعلتني أدرك أنني لا أكره وجود شريك، بل أحب ذلك، خاصة إن استطاعت الأرواح أن تتآلف، واستطعت أن تحب الحياة وتدرك قيمتها، وتدرك الحب المبعوث من القلوب وقادرة على أن تبعث الحب بالمثل بل وأكثر. قادرة على أن تعيش بسلام يجعل المرء يستمتع بأدق تفاصيل العالم. أدركت أن الحب يمكن أن يأتيك من أي شخص. تأكدت من أن علاقة صحية واحدة يمكن أن تشفي روحك المريضة. استمرت صداقتنا لأكثر من عام بقوة، وحينما بدأت قوة العلاقة تتلاشى، أدركت مدى فاعليته، وما كان يقدمه لي. فأصبحت أسأل ذاتي ما الذي أشعر به، ما الذي أحتاجه، فأدركت أنه علمني كيف أتعامل مع نفسي. بالمناسبة، لازلنا أصدقاء إلى الآن لكن لم نعد كما السابق. لكنه أعطاني من الحب ما يكفي لأحب الحياة وأحب غيري في هذا العالم. وفي كل يوم أسأل ذاتي: ما الذي أشعر به؟ 14.2.22

Comments

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية