مشروع الثالثة والعشرون - (6) انهيارات صغيرة

 

انهيارات صغيرة

الانهيارات هي شكل من أشكال تمرد الروح على واقع يدميها.


من منا لا يملك الأحاسيس المكتومة التي لا يستطيع أن يجعلها تخرج إلى من حوله، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أن يتحملها وحده؟ مشاعر تصرخ كل يوم ونقتلها بداخلنا في كل لحظة لتكبر كلما قتلناها، وكأنها تأبى أن تموت. فتدرك أن المشاعر لا يمكن قتلها تمامًا مثل الأفكار. عليك أن تعالجها، وتجعل وقعها أخف على روحك، لكن أن تتجاهلها وتتعامل كأنها لا توجد من الأصل، ذلك شيء مستحيل.

مهما ظننت أنك تغلبت على مشاعر قديمة، فأنت هالك في لحظة ما في المستقبل لأن ذاكرتك تحفظ ما تشعر به وتعكسه في سلوكك. هل تصرفاتك اليوم مثلما كانت قبل عام أو مثلما ستكون بعد عام؟ لا أظن ذلك. أنت تظن أن اختلاف عمرك وخبرتك هما العاملان الأساسيان في اختلافك، لكن كتمانك في كل مرة لجزء من روحك يجعلك تتصرف بشكل مختلف عما أنت عليه في الواقع.

الصندوق الأسود، ذلك المكان الذي يحتفظ عقلك الباطن فيه بكل ما تتناساه كأنه لم يكن من الأساس. لكن صندوقك يحمله بأدق تفاصيله، وما أن تتشابه المواقف حتى تجد نفسك تتصرف بطريقة هجومية حتى لا تتعرض للمشاعر ذاتها. فتدرك وقتها أنك لست كما كنت، وتدرك كم أنت هش لأن روحك لم تعد كما كانت.

الصندوق يمتلئ مع كل موقف أليم، حتى يحدث الانفجار، وحينما يحدث ذلك، تنهار أنت.

أذكر كبريائي القاتل بألا أبكي، فالبكاء للضعفاء، أما أنا فأنثى قوية ليس لها أن تبكي. ظللت على هذا العهد الأحمق مع ذاتي حتى انهرت أول انهيار صغير، أو هكذا أذكر بعد عامين من انقطاع البكاء، لأواصل ارتكاب هذا الفعل الضعيف (البكاء) على مدار اليوم في أماكن متعددة!

بعد عامين من القوة المزيفة، ظللت في المنزل ليوم كامل، عقلي شارد في اللاشيء... أعتقد ذلك. ثم قررت أن أشاهد فيلمًا حزينًا تموت بطلته في النهاية بسبب الشمس، فانهرت مرة أخرى وارتكبت الفعل الضعيف، وظللت أبكي لأربع ساعات متواصلة. ثم سحبت مقصي الكبير، وتسمرت أمام مرآة الحمام وعيناي دامعتان، وعقلي يتحدث حديثًا لا أذكره لأنني لم أكن أسمعه من البداية إلى النهاية.

لكن ما أذكره أني قصصت شعري أسفل أذني، وأكملت انهياري من جديد. لم أكن أعلم أي شيء بالتحديد جعلني في هذه الحالة، لكن ما كان ينقص صندوقي للانفجار هو فيلم حزين. لكنه لم يكن كافيًا لانهيار كامل، فضحيت بجزء أحبه مني لأجلي.. فانهرت بالكامل.

لم أنهار مجددًا منذ ذلك الحين، ربما لأنني لم أعد أسمح للصندوق بالامتلاء. صرت من حين إلى حين أسمح لذاتي بارتكاب الفعل الذي يحمل الكثير، كما أصبحت أحترمه فلا يمكنني أن أنعته بالضعيف. صرت لا أخاف الانهيارات الصغيرة لأنها تشفي روحي. أصبحت على استعداد أكبر لأقبل الانهيارات الكبيرة بصدر رحب، ولكن أحرص على ألا أملأ صندوقي الذي يتسبب في الانهيارات الكبيرة.. فشعري لم يصل إلى طوله من قبل إلى الآن!

ماذا عن صندوقك أنت؟ هل هو ممتلئ أم أنك تفرغه من حين لآخر؟

Comments

Popular posts from this blog

مشروع الثالثة والعشرون - (15) أعرفه ولا أعرفه!

مشروع الثالثة والعشرون - (14) الغير مناسب في الوقت المناسب

مشروع الثالثة والعشرون - (9) أحلام شريف العشرينية